في ظل الجدل المثار حول عدم دعوة ملك إسبانيا لحضور حفل تنصيب الحكومة المكسيكية الجديدة ، يرى كارلوس موريو زامورا، أستاذ السياسة الدولية بجامعتي كوستاريكا الوطنية، أن المكسيك يجب أن تسلك مسارا ديبلوماسيا يخدم العلاقات الثنائية بين البلدين، بدل خلق توترٍ سياسي من خلال التركيز على قضايا تاريخية لا يمكن تغييرها.
- كيف تقيم الوضع الحالي بين المكسيك والنظام الملكي الإسباني، خاصة بعد الأزمة الدبلوماسية التي نشأت فجأة بعد فترة من العلاقات الودية؟
هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها بلد من أمريكا اللاتينية أو الأيبيرية قضية تتعلق بماضي الاستعمار، ولكن لم يصل أي من هذه النزاعات إلى هذا الحد الذي اتخذته الحكومة المكسيكية. في وقت ما، واجهت أمريكا الجنوبية قضايا مماثلة، لكن الرئيس لوبيز أوبرادور ذهب أبعد من مجرد التشكيك التاريخي إلى اتخاذ خطوات دبلوماسية قد تفتح أبواباً معقدة. على الرغم من أن هناك توافقاً أيديولوجياً بين الحكومتين الإسبانية والمكسيكية، إلا أن تحويل هذا الخلاف إلى أزمة دبلوماسية قد يؤدي إلى تصعيد يؤثر على العلاقات بين البلدين. ومع ذلك، لا أعتقد أن هذا التوتر سيتوسع ليشمل دول أمريكا اللاتينية الأخرى، رغم الطبيعة المفاجئة وغير المتوقعة للسياسات في تلك المنطقة، كما وصفها غابرييل غارسيا ماركيز بأنها «واقعية سحرية».
- كيف تُفسر على المستوى الدولي قرار الرئيسة المكسيكية المنتخبة بدء فترتها الرئاسية بخلق هذه الأزمة التي يعتبرها البعض غير ضرورية؟
من الواضح أن العالم يراقب هذا القرار غير المألوف، خصوصاً أن الرئيسة شينباوم اختارت عدم توجيه دعوة لملك إسبانيا، وهو إجراء غير مدون في القوانين، لكنه تقليد تاريخي لحضور الملك مراسم انتقال السلطة في أمريكا اللاتينية. عدم الدعوة استناداً إلى عدم اعتذار إسبانيا يُعد خطوة من شأنها أن تضع العلاقات الثنائية في موقف متوتر دون أي فائدة ملموسة للمكسيك.
- هل يُعتبر عدم دعوة الملك مبرراً على أساس التزام الحكومة القادمة بدعم السكان الأصليين؟
أعتقد أن الحجة قد تكون مفهومة، لكن الوصول إلى حد عدم دعوة الملك ورئيس دولة تجمعها علاقات دبلوماسية وتجارية وثيقة مع المكسيك هو تطرف لا يخدم مصلحة أي طرف. من خلال منظمات مثل الأمانة العامة الأيبيرية الأمريكية وبرامج التعاون الأوروبية-الأمريكية اللاتينية، قد يتأثر التعاون الإقليمي، ويُفسح المجال لحكومات أخرى لاتخاذ مواقف مماثلة، مما يؤدي إلى تباعد العلاقات.
علينا أن نتذكر أن إسبانيا ليست القوة الاستعمارية الوحيدة التي حكمت في تلك الحقبة؛ فقد شاركت دول أوروبية أخرى في هذه العملية. وبالتالي، فإن هذا النهج لن يعود بأي فائدة حقيقية على السكان الأصليين في المكسيك أو أمريكا اللاتينية. الأفضل من الناحية الدبلوماسية أن تتم دعوة الملك الإسباني وأن يُستخدم الخطاب خلال الحفل لتذكير بالوقائع التاريخية، بدون مواجهة مباشرة، وذلك في إطار ما كان مقبولاً في القانون الدولي آنذاك رغم أنه غير مقبول اليوم. المطالبة بالاعتذار قد تؤدي إلى تصعيد غير ضروري، خصوصاً إذا لم تتخذ المكسيك موقفًا تصالحيًا في المستقبل القريب لتجنب تأثيرات سلبية على العلاقات الدبلوماسية طويلة الأمد.
- ما هي قراءتك لتصريحات شينباوم حين قالت إنها تأمل أن يكون هذا الخلاف فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية من خلال إعادة صياغة التاريخ؟
في العقود الأخيرة، خصوصاً منذ الثمانينيات، اعترفت إسبانيا بالحاجة إلى تعزيز التعاون والدعم للشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية، وشهدنا مبادرات ثنائية عديدة في هذا السياق.
محاولة إعادة قراءة التاريخ والدفع نحو اعتذار رسمي من إسبانيا عن فترة الاستعمار لن تُحدث أي تغيير جوهري. من الأكثر فائدة أن نستمر في تعزيز التعاون بين الطرفين وتفعيل مبادرات تعود بالنفع على السكان الأصليين في أمريكا اللاتينية، بدلاً من تحويل المسألة إلى خطاب شعبوي. ما تقوله الرئيسة المنتخبة لشعبها، وخاصة لمجتمعات السكان الأصليين في المكسيك، هو أنها ستدافع عن حقوقهم، ولكن ما الذي ستكسبه هذه المجتمعات من اعتذار إسباني عن استعمار مضى عليه قرون، بدون أن يكون هناك تغيير فعلي على أرض الواقع؟
في الواقع، شهدت العلاقات بين إسبانيا وأمريكا اللاتينية العديد من البرامج التي تستهدف تحسين أوضاع السكان الأصليين. لذلك، فإن ما يحدث الآن هو مجرد إعادة فتح جراح قديمة دون فائدة ملموسة، حيث اعترفت إسبانيا بالفعل، إلى جانب دول أوروبية أخرى، بالأخطاء التاريخية. المضي أبعد من ذلك لن يغير ما حدث قبل عدة قرون.
27/09/2024